مطلَّقة منذ سنوات، والسبب سخفي وسطحيتي. نعم، لا تستغربوا، سبب طلاقي هو سخفي، أعيش سنوات وحيدة وأبنائي بعيدون عني بسبب سخفي وعنادي ورغبتي بتقليد والدتي.
وُلدت في بيت كنت أظنه مثاليا، وهو ليس كذلك، أبٌ يعمل ليل نهار، وأمٌّ تعيش وتلبس وتخرج، كانت الكلمة الأولى لأمي في المنزل، أما أبي فكان أغلب وقته في العمل، لا يتدخَّل في أمور البيت إطلاقا، لذلك كان بيتنا هادئًا جدا، فأبي نادرًا ما كان يناقش أو يعترض، أمي مَن تقرِّر أين نذهب في الإجازة، وماذا نلبس ومن نزور، جُلُّ اهتمامها المظهر، تُغيِّر عفش المنزل متى تشاء، وتقيم الحفلات بمناسبة أو بدون، سيدة مجتمع أنيقة وجميلة، لا تقبل إلا أن تكون الأكثر إبهارًا وترفًا.
كَبُرْتُ وأنا أظن أن الوضع في بيتنا رائع، وحلُمت بزوج كأبي تماما، كنت أظن أن كل الأزواج الآخرين المختلفين عن والدي مخطئون، إلى أن تزوَّجت، وبدأت برسم تفاصيل لحياتي تحاكي تماما تفاصيل عائلتي، إلا أن زوجي لم يكن كوالدي إطلاقا، كان كريما ومُحبًّا وحنونًا ولكنه لم يكن ضعيفا لي كما كان أبي لأمي، كنت أظنه نقصا ولم أعرف أنها ميزة، وكان أكبر خطأ ارتكبته في حياتي أنني كنت دائما ما أشكو للشخص الخطأ… أمي.
كانت أمي دائما ما تنصحني في غير مصلحتي.
“لا تسكتي، لا تقبلي، عليكِ بفرض رأيك، انظري لأبيكِ”.
أنجبت ابني الأول وفرح زوجي به، كان مثالا للأب الحنون، ما دفع أمي لإقناعي بوجوب استغلال حبه لأولاده، أعطتني وصفتها في أن إخضاع الرجل لا يأتي إلا بالضغط المادي والنفسي عليه، أثقلت عليه بطلباتي، وكلُّ مرة كان يجلب لي ما أريد كنت أطلب المزيد، فحسب وصفة أمي يجب ألّا تُشْعِرَ المرأةُ الرجلَ بالرِّضى عنه.
استمرَّ الحال سبع سنوات، ولم يعلن استسلامه، بل أصبح أكثر عنادًا وكُرهًا لي، أقنعتني أمي بأن أطلب الطلاق وبألّا أعودَ إلّا إذا نفّذ كل رغباتي، ظنًّا منها أن الأب الحنون لن يقوى على بعد أولاده، وكانت المفاجأة… زوجي وافق على الطلاق.
لم تتوقف نصائح والدتي القاتلة عند هذا الحد، بل أقنعتني بأن أعطيه أولادي وأتنازل عن حضانتهم كورقة ضغط أخيرة، فالرجل لا يستطيع الاعتناء بهم وحده، خصوصًا مع صعوبة عمله، والمفاجأة كانت أن الرجل رحَّب بأولاده بل استطاع أن يقوم بدور الأمِّ وألاب لسنوات دون مساعدة أحد، ودون أن يتزوّج بأخرى.
عرفت بعد فترة أنه سافر مع الأولاد إلى دولة عربية بعد حصوله على عمل أفضل، لم يمنع أولادي من الحديث معي بين فترة وأخرى، ولكنَّ أولادي لم ينسوا أنني أنا من تخلَّيت عنهم دون سبب منطقي.
الآن وبعد كل هذه السنوات أعيد تقييم ما حصل، لقد حرمت نفسي وأبنائي من حياة طبيعية عائلية من أجل ماذا؟ عناد؟ سخف؟ رغبة بالتسلط؟ ضعف في شخصيتي أمام والدتي؟
لقد توفِّي والدي قبل سنوات، ولم يكفِ المال الذي تركه لنا والدي سنة، فوالدتي لم تستطِع التأقلم مع الحياة الجديدة المتقشفة، وكان جُلُّ ما يهمُّها كلام الناس، ما دفعها للتصرُّف على نفس الوتيرة السابقة، عانت كثيرا وتعبت ومرضت وندمت، ثم لحقت بوالدي، أما أنا فوحيدة لا زوج ولا ولد.
ما دفعني لمشاركة قصَّتي معكم أنني أسمع يوميا قصصا لحالات طلاق تُشابه قصَّتي وأريد أن أنصحكم أزواجًا وزوجات، عند الزواج يجتمع كل من الشاب والفتاة في بيت واحد، وكل منهما أتى من بيئة مختلفة يعتقد أنها الأصح، والحقيقة أن آباءنا وأمهاتنا _وإن وجب علينا حبهم واحترامهم_ ليسوا بمعصومين عن الخطأ، ولا يجب أن نأخذ ما تعلَّمناه منهم كمُسَلَّمَاتٍ لا نقاش فيها، فالله وهبنا العقل لنفكر، وعيونًا لنرى، عندما نقرِّر تأسيس عائلة يجب أن نقرأ أكثر ونضطلع أكثر ونحب أكثر، يجب أن نركِّز على ما يجمعنا لا ما يفرقنا، يجب ألّا يفكرَ كل منا بالسيطرة على الآخر وإلغائه، بل باحتوائه ومساعدته على مواجهة الحياة الصعبة التي نعيشها.
المصدر ملتقى المراة العربية